بسم الله الرحمان الرحيم .
وقفة مع آية .
قد يظن الإنسان المنعم عليه بأصناف النعم بنفسه خيرا وأن ما أعطاه الله من النعماء هي من فضله عنده ومن كرم الله عليه فربما دخل قلبه الغرور والذي هو من أخطر أمراض القلوب إن أصيب به العبد أماته وأقبره في أوحال الظلم والاستبداد والخروج عن جادة الصواب .
وقفتنا اليوم بحول الله مع آية جليلة تحرك المشاعر وتوقظ الضمائر وتنير البصائر .
يقول فيها الباري سبحانه وتعالى : "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ{6}."الإنفطار .
آية عظيمة وقعها شديد على أصحاب القلوب الحية .
الغرور : عرفه بعض علماء الأخلاق، هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه.
قد يغتر الإنسان بماله فيفقده العقل فيه والتبصر وقد تنقلب هذه النعمة إلى نقمة وقد تكون يكون ماله سبب هلاكه وقصة قارون لخير دليل على ذلك .
قد يغتر الإنسان بعلمه فيماري به السفهاء أو يجادل به العلماء أو يشتري به ثمنا قليلا فبئس ما يشتري .
قد يغتر الإنسان بسلطانه وجاهه فيتكبر ويتجبر على الناس ونهاية الجبابرة معلومة .
: "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ{6}."الإنفطار .
نداء من الباري سبحانه وتعالى للإنسان المغرور في هذه الحياة الدنيا ، الذي يعيش ويحيا فيها يتنعم بخيرات وبركات الله عليه هذه النعم التي تتوافد عليه صباحا ومساء من قبل الجواد الكريم ، يجمع ويمنع ويأكل ولا يشبع ، بل تراه يستعمل هذه الأرزاق والنعم في الصد عن الله وفي محاربة أولياء الله .
يا أيها الإنسان : أما لك معتبر فانظر من الذي أسبغ عليك بهذه النعم : ما غرك بربك الذي تكرم عليك وأنت جنين في رحم أمك وشدك إليها بحبل وأجرى لك فيه رزقك يصلك في ظلمات ثلاث .
ما غرك بربك الذي تكرم عليك بسمع وبصر وفؤاد وجعلك تعقل وتميز بين النافع من الضار والخبيث من الطيب .
ما غرك بربك الذي تكرم عليك بحنان والديك يطعمانك ويسقيانك ويكسوانك اشتعل رأسهما شيبا حتى أصبحت شبابا.
ما غرك بربك الذي تكرم عليك فأسال لك أودية وأنهارا ، وأنبت لك جنات وأشجارا ، ونوع لك فواكه وثمارا .
ما غرك بربك الذي تكرم عليك بالعفو والعافية نشر لك الأمن والطمأنينة لتطيب حياتك وتسعد وتهنأ .
ما غرك بربك الذي تكرم عليك بالشفاء بعد طول عناء .
ما غرك بربك الذي تكرم عليك بالمخرج من الهموم والبلاء فأجاب لمناجاتك وحقق كل رغباتك .
ما غرك بربك الذي تكرم عليك بزوجة ووهب لك منها بنين وذرية لتقر عينك في هذه الحياة .
طلبت فأجاب وسألت فأعطى وناجيت فسمع ولبى واضطررت لعونه فأعان وما خيب .
كم طالت يداك ممدودة في سماء الضراعة وما ردها خائبتين .
كم شكوت وسمع شكواك ، وبكيت واطلع على بكواك ، ولما قلت يا رب : قال : قد سمعنا دعواك .
سيدي : أما لك في هذا الرب الكريم معتبر ، يجيبك ولا تجيبه ، يعطيك وتمسك ، يشكر لك وتكفر ، يسترك وتكشف ستره ، يعفو ولا تعفو ، ينفق وتبخل ، فمن تكون وهو رب الكون إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون .
فعد إلى رشدك ولا تغتر بحلمه عليك فإنه يمهل ولا يهمل ولا تظن أن ما يملي لك من النعم هو من تفضيله لك فاسمع واعقل :" أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ{55} نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ{56}" المؤمنون .إنما هو استدراج لهم وإملاء حتى إذا أخذهم الله لم يفلتهم .
"فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ{44} وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ{45} ." القلم ، فذرني -أيها الرسول- ومَن يكذِّب بهذا القرآن, فإن عليَّ جزاءهم والانتقام منهم, سنمدهم بالأموال والأولاد والنعم؛ استدراجًا لهم من حيث لا يشعرون أنه سبب لإهلاكهم, وأُمهلهم وأُطيل أعمارهم; ليزدادوا إثمًا. إن كيدي بأهل الكفر قويٌّ شديد.
فإياك من الغرور فإنه بئس ما وعت الصدور .
يا رب لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا .
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك .
اللهم إن أعطيتني مالا فلا تسلبني العقل فأشقى به في الدنيا ويحمى عليا في نار الآخرة .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن ولاه إلى يوم الدين .
موضوع: ما غرك بربك الكريم؟ 
الإثنين 7 ديسمبر - 7:55
